18 - 10 - 2025

حكايات جيل يعيش الحب خارج مظلة الدين والقانون | قصص المساكنة في مصر

حكايات جيل يعيش الحب خارج مظلة الدين والقانون | قصص المساكنة في مصر

بين قدسية الزواج وحرية الجسد
- اعترافات من خلف الأبواب المغلقة: أصوات خاضت تجربة المساكنة في مجتمع يرفضها..

في قلب المدن المصرية الكبرى حيث يختلط ضجيج الحياة بالبحث المضني عن الحب والحرية، بدأت ظاهرة المساكنة تشق طريقها خلسة بين جدران مغلقة.. المساكنة أو العيش المشترك بين شاب وفتاة دون رابط قانوني أو ديني لم تعد مجرد فكرة مستوردة من الغرب كما اعتاد الخطاب المحافظ أن يصفها.. بل واقع يعيشه بعض الشباب في مصر، وإن ظل بعيدا عن العلن..

بينما يرفع الأزهر صوته مؤكدا أن المساكنة زنا صريح لا جدال فيه، وتصر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على وصفها بأنها خطيئة تهدد قدسية الزواج المسيحي ، هناك شباب يختارون أن يسلكوا هذا الطريق بدوافع مختلفة: الحب والرغبة و غلاء المعيشة أو رفض القيود الاجتماعية..

هذا التحقيق لا يكتفي برصد المواقف الدينية، بل يفتح نافذة على قصص حقيقية لأشخاص قرروا أن يعيشوا المساكنة ليكشف عن وجوه إنسانية غالبا ما تحجب خلف عناوين الإدانة والرفض..

القصة الأولىنرمين.. عامان من الحب في الخفاء

نرمين ( اسم مستعار )، شابة تبلغ من العمر ستة وعشرين عاما من أسرة متوسطة، تحكي قصتها بصوت متردد، كمن يستعيد سرا ظل دفينا لسنوات:

كنت أحب زميلي في العمل حبا كبيرا.. وكان قد تقدم لخطبتي بالفعل، لكن أهلي اشترطوا شقة وشبكة ونفقات تفوق قدرته، كنت أرى أن انتظاره سنوات يعني خسارته إلى الأبد، عندها قررنا أن نستأجر شقة صغيرة في حي شعبي ونتقاسم نفقاتها ونعيش كما يعيش الأزواج، وإن كنا بلا أوراق..

تحكي نرمين تفاصيل حياتها اليومية في تلك الشقة: كنا نصحو معا كل صباح ونتناول إفطارا بسيطا ونذهب إلى العمل، في المساء نطهو طعامنا ونشاهد التلفاز ونتحدث لساعات كانت حياتي معه تشبه الزواج بكل تفاصيله، سوى أنني لم أستطع أن أعترف أمام أحد..

لكن خلف هذا الدفء ظل الخوف مقيما: كنت أعيش دائمًا في قلق.. كنت أخشى أن يطرق الباب جار فضولي أو أن تشك عائلتي في غيابي الطويل. ولم أخبر حتى أقرب صديقاتي.. ومع مرور الوقت بدأنا ننهك وفي النهاية تركني ورحل، تاركا الشقة وحياة كاملة خلفه، شعرت أنني عشت أجمل تجربة وأخطرها في آن واحد..

القصة الثانية:  عمرو.. زواج بلا عقد

عمرو ( اسم مستعار) ، شاب في الحادية والثلاثين.. عاد إلى القاهرة بعد خمس سنوات قضاها في أوروبا. هناك عرف المساكنة مع زميلة أجنبية لكنه فوجئ بنفسه يعيد التجربة مع فتاة مصرية بعد عودته:

كنت مقتنعًا أن الحياة المشتركة هي الامتحان الحقيقي لأي علاقة، في الخارج كان الأمر طبيعيا أما في مصر فكان التحدي أكبر.. أحببت فتاة مصرية واتفقنا أن نعيش معا في شقة بالتجمع الخامس و لم نكن نرى أننا نفعل شيئا خاطئا فقد كنا نمارس حياتنا كما يفعل أي زوجين لكن من دون عقد رسمي..

يصف عمرو أيامه قائلاً: كانت بيننا كل تفاصيل الزواج، مسؤوليات المنزل ومصاريف الإيجار وخلافات يومية ومشاعر دفء حقيقية.. لكن ظل فوقنا سيف المجتمع والدين.. كنا نعيش في خوف من أن ينكشف أمرنا أمام العائلة أو الجيران..

انتهت العلاقة بانفصال هادئ بعد ثلاث سنوات.. لكن عمرو يؤكد أنه لم يندم:

المساكنة بالنسبة لي لم تكن خطيئة، بل كانت تجربة حياة كاملة و المشكلة ليست فينا بل في مجتمع يرفض أن يرى أنماطا مختلفة من الحب..

القصة الثالثةسارة.. الطالبة التي تحدت الخوف

سارة ( اسم مستعار) ، طالبة جامعية في الثانية والعشرين، وقعت في حب زميلها في الكلية.. تقول:

كان أول حب في حياتي و كنت أشعر أنني أختنق إذا ابتعدت عنه، عندما عرض علي أن نعيش معا وافقت فورا، شعرت أنها الطريقة الوحيدة كي نستطيع أن نكون معا بعيدا عن سلطة الأهل..

تروي سارة تفاصيل تجربتها: كنا نستيقظ معا، نذاكر ونتشارك الطعام ونقضي أوقاتنا كما لو أننا أسرة صغيرة، لكن الخوف لم يفارقني يوما.. كنت أرتعب من فكرة الحمل غير المتوقع ومن مجرد مكالمة هاتفية من أمي تسألني أين أنا.. وبعد أشهر قليلة انفصلنا بشكل قاس، تاركا خلفه ندبة كبيرة في قلبي..

القصة الرابعةليلى.. حين تحول السر إلى فضيحة

ليلى (اسم مستعار) ، 29 عامًا جاءت من صعيد مصر للعمل في القاهرة ارتبطت بزميلها وسكنت معه في شقة صغيرة لمدة عام: كنا نعيش في سرية تامة ولم يكن أحد يعلم لكن جارا لنا بدأ يشك.. وذات يوم وصلت الحكاية إلى أهلي.. جاء إخوتي وأخذوني بالقوة.. تعرضت للضرب والإهانة وحبست في البيت عدة أشهر، حياتي انهارت تماما، وفقدت عملي وسمعتي في لحظة..

اليوم تعيش ليلى وحدها في شقة صغيرة، لكنها تحمل جرحا عميقا: المساكنة أعطتني إحساسا بالحرية والحب، لكنها أيضا دمرت حياتي حين انكشفت في مجتمعنا خطيئة واحدة كفيلة أن تلتهمك بالكامل..

الموقف الدينيرفض لا يقبل النقاش

الأزهر الشريف أصدر فتاوى متكررة تعتبر المساكنة “زنا صريحا” وتؤكد أن الزواج هو الإطار الشرعي الوحيد للعلاقة بين الرجل والمرأة، أما الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فترى أن أي علاقة خارج سر الزواج “خطيئة تهدد قدسية الزواج المسيحي”...

كلا المؤسستين تتعامل مع الظاهرة على أنها دخيلة على المجتمع وترفض مجرد النقاش حول إمكانية تفهم دوافعها أو سياقاتها.

ازدواجية المجتمع

يقول الدكتور سامح عبد الله، الباحث في علم الاجتماع: المجتمع المصري يعيش حالة ازدواجية حادة، في العلن هناك رفض وإنكار وفي الخفاء هناك ممارسات متعددة من المساكنة إلى العلاقات غير الرسمية الظاهرة ليست مجرد نزوة فردية بل انعكاس لأزمات أعمق: البطالة و غلاء المعيشة و ارتفاع تكاليف الزواج وتغير قيم الجيل الجديد..

ويضيف: الشباب اليوم يبحث عن مسارات بديلة، بينما المؤسسات الدينية تكتفي بالتنديد.. النتيجة أن الظاهرة تبقى في الظل لكن وجودها يتوسع بصمت.

***

المساكنة في مصر ليست مجرد قصة حب في الخفاء، ولا مجرد انحراف كما يصفها الخطاب الديني إنها مرآة لواقع مأزوم، حيث تتصارع قدسية الزواج مع حرية الجسد والتقاليد مع تطلعات جيل جديد..

قصص نرمين وعمرو وسارة وليلى تكشف عن وجوه إنسانية تمزج بين الشغف والخوف، بين الأمل والانكسار.

ويبقى السؤال: هل يستطيع المجتمع أن يعترف يوما بوجود أنماط مختلفة من العلاقات؟ أم ستظل المساكنة سرا محاصرا بالخوف والرفض يعيشها شباب في الظل ويدفعون ثمنها وحدهم؟
-----------------------------
تحقيق: مادونا شوقي
من المشهد الأسبوعية

العدد 342 من المشهد الأسبوعية ص 12